ماري العجمي
ماري العجمي
ماري العجمي امرأة قلّت مثيلاتها في عصرها, كاتبة وشاعرة تبنّت أصعب قضيتين (الوطن والمرأة), فقد عاشت في زمنٍ تخلّفَ فيه المجتمع العربي عن سائر المجتمعات من كل النواحي في ظل تعاقب الاحتلالين العثماني والفرنسي, ولدت في دمشق عام 1888م, من أسرة محبة للتعليم رغم أن والدها غير متعلمٍ, درَسَت في المدرسة الايرلندية ثم الروسية وأكملت تعليمها في مدرسة التمريض التابعة للجامعة الأمريكية ببيروت.
بدأت حياتها العملية بالتدريس في مصر وسورية والعراق وفلسطين, وكانت أستاذة اللغة العربية لسنوات طويلة, وعملت كمراسلة للكثير من الصحف (القبس, المهذب, الإخاء, الحسناء, لسان الحال )ومحررة في الكثير من الصحف العربية بعد إغلاق مجلتها (العروس ), كما ترجمت عن الإنكليزية رواية (المجدلية الحسناء) وكتاب (مجد الغايات).
اقترن الوطن لدى ماري بالوجع والحرمان من كل شئ, خسرت خطيبها بترو باولي حين اعتقلته السلطات العثمانية وأودعته سجن القلعة في دمشق (كانت الصحفية الوحيدة التي دخلت ذلك السجن عندما سُمح لها بزيارة باولي, فوصفت المكان بدقة, ونشرت ذلك في مقال شهير ألّب السلطات ضدها) وأُعدم باولي ضمن حملة الإعدامات التي طالت الأحرار من الثوار عامي 1915م و1916م على يد جمال باشا السفاح, تعمق الجرح عندها فعزفت عن الزواج بعده, واقترنت طيلة حياتها بالقلم سلاحاً موجهاً ضدّ كل أشكال الاستعمار والاستبداد, برزت في زمن كان التتريك قد طال فيه اللغة العربية, فأسست عام 1910م مجلة (العروس ) في مصرثم نقلت نشاطها إلى سورية. في كلمة المجلة قالت ماري معرّفة بها : (إليك العروس فرحّبي بها غير مأمورة ليذهب عنها شئ من حيائها فتُسرّ إليك بمكنونات قلبها وشعائر موقفها, عروسٌ لا عريسَ لها سوى الشعب الجاثي على أقدام حريتين يطلب بركة الوطنية تحت سماء العِلم والعَلم مسجّلاً عقد قرانٍ عليها بمداد الفكر مكللاً رأسيهما ببراعم الآمال وأزهار المحبة )
تلك المجلة كانت منبراً للنضالين الاجتماعي والسياسي, فُتحت من خلالها آفاقاً واسعة أمام المرأة السورية بما تضمنته من تثقيف للأسرة في الكثير من المجالات كالشؤون البيتية وكيفية تمريض الأطفال والعناية بهم, طبعاً إضافة لأقسامها الأخرى كالأدب والتاريخ وقسم النوادر والفكاهة والمناظرات والروايات الأدبية التهذيبية وشاركها في التحريروالنشر أبرز الأدباء في ذلك الحين متمسكين بالقضايا التي كانت تطرحها .
أُغلقت العروس لمدة أربع سنوات بسبب الحرب العالمية الأولى, وعادت عام 1918م أكثر تحدياً للواقع وصراحة في طرح الأفكار دام ذلك إلى أن أغلقتها بشكل نهائي حكومة الإنتداب الفرنسي عام 1926م .
لم يتوقف نشاط ماري بعد إغلاق المجلة بل استمرت في الكتابة تحت اسم مستعار (ليلى ) كما ساهمت في تأسيس النادي النسائي الأدبي ثم جمعية نور الفيحاء و مدرسة بنات الشهداء.
حظيت ماري على إعجاب وتشجيع كلّ من عرفها في الأوساط الثقافية والسياسية وشاركوها النشاط في الجمعيات والمنتديات التي قادتها أو ساهمت في تأسيسها (كانت أول امرأة تلقي كلمة في المجمّع العلمي السوري ), وقد قال عنها الشاعر والأديب أمين نخلة: (لا أعرف في الأقلام النسوية قلماً كالذي تحمله ماري عجمي, فهو شديدٌ شدّة أقلام الرجال, لطيفٌ لطف أقلام النساء, في آن معاً, ولعمرك هيهات أن يجتمع النساء والرجال على شيمة واحدة)
كما دللت شهادة الأديبة وداد سكاكيني على تميّزماري حين قالت : كان الفرزدق إذا سمع شعر الخنساء قال: ( تلك أنثى غلبت فحول الشعراء),وفي زماننا لو يسأل فحول الأدباء عن ماري عجمي لأعادوا قول الفرزدق في الخنساء.
أما خليل مردم بيك فقد قال:(لا أحب من غواية النساء إلا غوايتها في الأدب, وأكثر مايعجبني من أدب المرأة هو سحر الحياء, وهذان المعنيان ماثلان في ماري عجمي وأدبها ).
عُرفت ماري بالذكاء الحاد, خفة الظل, روح الدعابة وسرعة البديهة ,اعتمدت السخرية اللاذعة أسلوباً, وصراحتها الشديدة ومرضها جعلاها شبه وحيدة في آخر أيامها فلم تقدّر حق قدرها, وعندما توفيت في 25 كانون الأول من عام 1965م لم يرافقها إلا المقربين إلى مقبرة باب شرقي للروم الأرثوذكس .
ماري العجمي ظاهرة تستحق الاقتداء بها والسعي لتكرارها, كانت فخر كل من عاصرها من أدباء وسياسيين,حتى أن فارس الخوري أعلن يوماً ذاك الفخرحين ساواها بالأديبة مي زيادة فقال :
ياأهل العبقرية سجّلوا هذي الشهادة
إن ماري العجمية هي ميّ وزيادة
بقلم:لورنسة المصياتي
ماري العجمي
Reviewed by Unknown
on
11:27 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: