Top Ad unit 728 × 90

أوغاريت

أوغاريت

  ياقوتة الساحل السوري وينبوع الحضارة تبعد شمال اللاذقية 11 كم على ساحل البحر المتوسط , ظهر ذلك الشعاع الذي قدم أوّل أبجديةٍ في التاريخ, إنها أوغاريت, تتربع اليوم على تلٍ أثريٍّ  شبه منحرف, ينتصب بالقرب من قرية برج القصب, وقد أظهرت الحفريات الأثرية ( التي بدأت في العام 1929م برئاسة الفرنسي كلود شيفر) أنَّ الموقع كان مسكوناً منذ منتصف الألف السابع ق م, إلا أنَّ الوثائق المكتوبة لا تظهر فيه إلا في القرن الرابع عشر ق م, واسمها بالعربي (رأس شمرة) والشمرة اسم زهرة صفراء رائحتها قوية, تنمو بغزارة في ذلك الموقع.
تبدو أوغاريت في النصف الأول من الألف الثاني ق.م على علاقةٍ طيبةٍ مع بلاد الرافدين ومصر, فكان موقعها على ساحل البحر المتوسط يضمن لها القيام بدور الوسيط التجاري بين الشعوب القديمة المطلة على سواحل البحر, وقد عُثِر في مدينة أوغاريت على بعض اللقى المصرية التي يعود تاريخها الى مصر الدولة الوسطى, ومنها تمثال فرعون أمنمحات الثاني(1929 – 1895 ق م) وتماثيل صغيرة لزوجة الملك سنوسرت الثاني ( 1897- 1878 ق م) والتي لنا أن نعدُّها هدايا رمزية لحكام أوغاريت الذين كان ملوك مصر يستميلونهم, ويحاولون أن يعقدوا معهم صلات من الود ليضمنوا من خلاله عودة التعامل التجاري بين مصر وبلاد الشام بعد انقطاع, وأقامت أوغاريت علاقات طيبة في الشرق والجنوب وقد ورد ذكرها صريحاً في المحفوظات الملكية الخاصة بقصر ماري, ويعود تاريخها إلى النصف الأول من القرن الثامن عشر ق م, وذلك في رسالة وجهها ملك يمحاض حمورابي الأول إلى صديقه زمري ليم ملك ماري يطلب فيها أن يسمح لرجل أوغاريت ( أي ملكها ) بمشاهدةِ قصره المشهور, ولكنَّ الرسالة لم تذكُر اسم الملك الأوغاريتي الذي عبر عن رغبته في زيارة القصر, كما كان لأوغاريت علاقات طيبة مع العالَم الإيجي ويدل على ذلك العثور على منتجات الحضارة المينوية الوسطى في خرائب أوغاريت ومنها أوان خزفية ذات أسلوب متميز.
أمَّا الوضع في القرن 14 ق م فقد اختلف تماماً, إذ تغطي المحفوظات الملكية التي عُثِر عليها في القصر الملكي وغيرها من المحفوظات حقبة هامة من تاريخ أوغاريت حوالي القرنين من الزمن , ويظهر فيه ملوك أوغاريت بحسب الترتيب الزمني : أميستارو ( الأول), نيقمادو ( الثاني), أرخالبا , نقميبا , أميستارو ( الثاني),إبرانو , نيقمادو ( الثالث) , وهنا لا يسعنا الحديث عن أوغاريت في ظل كل حاكم من حكامها, إلا أنه يمكننا القول بأن هذه الفترة شهدت الكثير من العلاقات مع المملكة الحثية التي توضَّعت شمال أوغاريت ومع مصر الفرعونية وغيرها من الدول, وشهدت إبرام المعاهدات والصفقات السياسية والاقتصادية, وفي حوالي عام 1200ق م الذي عاصر حكم ملك الحثيين الأخير شوبيلوليوما الثاني, والملك المصري رعمسيس الثالث, انتهى حكم حمورابي بدمار أوغاريت المحتمل بعد انهيار المملكة الحثية على يد شعوب البحر التي واصلت هجومها المدمر على طول الساحل السوري, ثم توقفت عند حدود مصر أمام السد المنيع الذي أقامه الجيش المصري في العام الثامن من حكم رعمسيس الثالث.
من خلال تنوع اللغة نجد أن الشعب الأوغاريتي كان مزيجاً من المواطنين ذوي الأصل المختلف الذين شكلوا مجتمعاً واحداً يغلب عليه الطابع السامي الكنعاني, الذي تهيأت له الظروف اللازمة لفرز حضارة مدنية تعتمد على أسس اجتماعية واقتصادية لا تختلف في بنيتها كثيراً عن المدن السورية الأخرى, وكان سكان أوغاريت يعيشون على التجارة التي كانت تدرُّ لهم أرباحاً كبيرةً، يعملونَ بإمرةِ الملك الذي كان قصره أهم مركز تجاري في المملكة, ويتبع للقصر فئات من المواطنين كانوا يحملون تسميات متنوعة منهم الماريانو وهم المقاتلون من راكبي العربات الحربية والفرسان المتميزين, والسانانو وهم مجموعة من المقاتلين المشاة, أما طبقات المجتمع الأوغاريتي فقد كان يتألف من ثلاث طبقات الأولى طبقة الأحرار وتسمى بالأوغاريتية ( م ر م ت , أ ج ر ت , ب ن , أ ج ر ت ) وهم المواطنون الذين يتمتعون باستقلال اجتماعي واقتصادي كامل, والطبقة الثانية طبقة ناس الملك ( ب ن ش , م ل ك ) وهم الموظفون الذين يعملون في القصر الملكي , والطبقة الثالثة وهم الذين كان يقع على عاتقهم عبء القيام بالخدمات الخاصة في القصر الملكي وقصور التجار .
وبلغ الأدب الأوغاريتي من الروعة الشيء الكثير, وما تم تدوينه من أساطير كانت تُروَى مشافهةً من جيلٍ إلى جيل حتى جُمعت في عهد الملك نيقمادو الثاني, وقد دَوَّن الأوغاريتيون أسطورة بعل إله المطر الذي يبدأ بالهجوم على إله البحر يم الذي كان يمثل الشر، ويسعى للسيطرة على بعل ويُساعده في الانتصار عليه الرب كوثر ربُّ الفنون الحرفية, ويواجه بعل مرةً أخرى الإله موت إله العالم السفلي وتساعده أختُه وحبيبته عنات ربَّة الحبِّ والخصب, ويُصور كاتب هذه الأسطورة جزعها على بعل فيقول:
       كقلب البقرة على عجلها
      وكقلب الشاة على حملها
     كذلك كان قلب عنات على بعل 
ويطول هنا الحديث عن الأساطير فأسطورة أقهاتالتي تتحدث عن رجل اسمه دانيال , وأسطورة كرت التي صيغت بأسلوب شعري ساحر تعدُّ من أروع الشواهد على عراقة الأدب الأوغاريتي .


آثار أوجاريت (أوغاريت): 

تغطي المدينة القديمة مساحة تزيد عن 20 هكتار، لم يُكشف إلا عن 6 هكتارات منها. وكانت المدينة محاطة بسور دفاعي ضخم كشف عن جزء منه في الجهة الغربية من المدينة، وهو من النوع السور المنحدر ذي القاعدة العريضة، تدعمه الأبراج القوية وتخترقه البوابات من نوع الكمَّاشة (يُعتقد أنَّه كان منها 4 في أوجاريت)، وكان للبوابة المُكتشفة في غربي المدينة مدخلان واحد للمشاة وآخر للعربات.
وقد نُظّمت المدينة من الداخل بشكل رائع فكان يخترقها عدد من الشوارع الرئيسية، تتفرَّع عنها شوارع فرعية، وعلى جوانب الشوارع كانت تقوم الأبنية موزعة في أحياء للأغنياء وأخرى للطبقات الشعبية. كما خُصِّصَت منطقة للقصور وأخرى للمعابد، إضافة إلى مناطق للأسواق التجارية والمستودعات والمحال.
القسم الغربي (حي القصور): 
مباشرةً بعد البوابة في السور الغربي للمدينة نصل إلى حي القصور وهي: 
القصر الشمالي: يعود بناؤه إلى حوالي 1600 ق.م، شكله مستطيل يشمل نحو 30 قاعة، تحف بباحتين رئيسيتين، مدخله في جداره الشرقي يقود إليه درج ضخم، ويتألف القصر من جناحين: جنوبي (ويمثل القسم الإداري)، وشمالي (قسم السكن).
القصر الملكي: وهو القصر الرئيسي، ويؤرخ إلى الفترة بين القرنين 15–13 ق.م، بلغت مساحته حوالي هكتار، ويتألف من 90 غرفة تلتف حول 5 باحات مكشوفة بينها حديقة 4 باحات صغيرة مسقوفة. وفيه أدراج تدل على أنه يتألف من طابقين، في الطابق الأول قاعات الاستقبال وملحقاتها إضافة إلى الأرشيف والمكتبة والمخازن والمستودعات وأبراج الحرس، بينما خصص الطابق الثاني لسكن العائلة الملكية. 
القصر الجنوبي: وهو بناء صغير له مدخل في جداره الغربي يقود إلى قاعتين متتاليتين، الكبيرة أرضيتها مبلطة، وإلى الشرق منها قاعة تحتها قبر رائع.
وفي الجهة الشمالية الشرقية الأكروبول، حيث يوجد معبدان:
معبد بعل: وهو الأكبر شيد فوق مسطبة مرتفعة، وأحيط بسور، يتم الدخول إليه من الجنوب عبر بوابة كبيرة .

 إلى الجنوب الشرقي منه يقوم معبد دجن: مخططه مشابه لمعبد بعل ولكنه أصغر حجماً، ولم يتبقى منه سوى الأساسات.
 وبين المعبدين بيت الكاهن الأكبر، وفي الجهة الجنوبية من الأكربول يقوم بيت الكاهن الساحر، وإلى الجنوب منه تنتشر الأحياء الشعبية.
أما القسم الشرقي الجنوبي من المدينة، فقد كان يسكنه التجّار والحِرَفيون كما يتبيَّن من الحوانيت التي ظهرت فيه مع ما تحتوي عليه من أدوات مختلفة.  
وكانت الأبنية تتألف من طابقين، وفي البيوت الكبيرة كان قبر العائلة يقوم تحت الأبنية المرصوفة بالأحجار المنحوتة بعناية كما احتوت هذه البيوت على آبار مياه وحمامات وتمديدات صحية تنظم عملها أقنية وشبكة توزيع وتصريف دقيق للمياه.
أما أهم الكنوز الأثرية التي عُثر عليها في أوجاريت فنذكر منها:
- الأرشيف الكتابي والرقم المسمارية التي تجاوز عددها 3500 رقيماً. 
- الأنصاب الحجرية وأجملها نصب بعل المحفوظ في متحف اللوفر، ونصب التحالف، ونصب الإله إيل.
- التماثيل المعدنية البرونزية المطلي بالذهب وأهمها كان للآلهة إيل وبعل وعشتار.
- الحلي والمجوهرات والأواني الذهبية وأجملها الصحنين الذهبيين المعروضين في اللوفر.
- الأختام الاسطوانية التي زاد عددها عن 900 وهي ذات مواضيع متنوعة.
- الآثار العاجية والأواني الخزفية والحجرية والأدوات البرونزية كالأسلحة وأدوات الصيد.
- تلك هي أوغاريت التي على أرضها اختُرِعت الأبجدية الأولى التي عرفها الإنسان، وفيها كُتِبت أوَّل نوطة موسيقية، ومن أساطيرها وثقافتها تعلمت واقتبست كل ثقافات العالم. 


تاريخياً:كريم سعد    آثرياً:سليم مقداد
ماجستير تاريخ        ماجستير آثار
أوغاريت Reviewed by Unknown on 2:11 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

All Rights Reserved by تجريب © 2014 - 2015
Powered By Blogger, Designed by Sweetheme

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.