التربية بالحب
التربية بالحب
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وإنما بالحب أيضاً"
أبي كم تحبني؟ أحبك بقدر اتساع الأرض... وارتفاع السماء ... وحجم البحر الكبير.
هذه الكلمات هي إجابة الوالد على سؤال ولده محمد ذو الخمسة أعوام, فحينما يسأل الإبن أباه مثل هذه الأسئلة عن مقدار الحب، فعلى الأب أن يجيب وهو يفتح ذراعيه ليري محمد مقدار اتساع حبه له، كاتساع الدنيا، والسماء، والبحر الكبير؛ فيسرع الصغير في نشوة سعادته ليغيب بين أحضان والده! إنها التربية بالحب.
يعتبر إشعار الطفل بالحب من الأمور الهامة لتطور نموه وتنشئته بشكل سويّ، فالأسرة التي ينعم أبناؤها بدفء الحب تتوفر فيها أسباب الوقاية من المشكلات السلوكية والنفسية واضطرابات النمو التي قد تصيب الأبناء في طفولتهم، كما أنّ ما يشعرون به من راحة وسعادة من شأنه أن يقلل من ظهور تلك المشكلات، ويسرّع في التخلص منها, ومن جانب آخر لا يمكن بناء وتكامل القوى العقلية والفكرية للطفل إلا في ظل محيط هادئ ومليء بالحب وإلا سيصاب بالكآبة والاضطراب الفكري.
لقد كشفت العديد من الدراسات أن حب الأم وعاطفتها هما من العوامل المهمة التي تعالج الطفل عند مرضه حيث يزرع حنانها في قلب الطفل الشجاعة والبسالة ويقوي عزمه في مواجهة المشاكل والمصائب المختلفة بما في ذلك المرض، ويعتبر هذا بحد ذاته عاملاً مساعداً على استعادة الطفل لسلامته.
متى يحتاج الطفل إلى الحب؟ يحتاج الطفل إلى الإحساس بمشاعر الحب والفرح بقدومه وهو لا يزال جنيناً في بطن أمه، لذلك أكدت الدراسات أنّ الجنين يشعر فيما إذا كان مرغوباً فيه وينتظره الأب والأم بشوق وسعادة أم أنّ الأمر غير ذلك. من هنا يؤكد العلم الحديث على أهمية الحالة النفسية للأم الحامل، ومدى تأثير تقبلها للحمل على حالة الجنين النفسية، فقد أشارت العديد من الدراسات أنّ السيدات المتفائلات اللاتي يشعرن بالثقة بالنفس والرضا عن أنفسهن وحياتهن أكثر احتمالاً لإنجاب أطفال أصحاء وسعداء.
والطفل حديث الولادة يحتاج بشدة إلى الحب أيضاً؟ يحتاج الطفل حديث الولادة إلى دفء الشعور بالحب من أول لحظات حياته، بل أثبتت الدراسات النفسية أن حاجة الطفل حديث الولادة إلى ما تمنحه الأم من مشاعر عبر الضم والالتصاق مثل حاجته إلى الطعام والشراب بل أكثر؛ لأنه يولّد عنده الشعور بالأمان وراحة النفس، فيكبر الطفل إنساناً سوياً يُحَبّ ويُحِبّ، وينمو ويتطور بشكل طبيعي.
هذا ويقارن علماء النفس بين الأطفال الذين خرجوا للحياة، فوجدوا الحب والحنان منذ اللحظة الأولى، وبين أولئك الذين خرجوا للحياة وكان خروجهم غير مرغوب فيه, إنّ الأوائل يشبون بلا عقد نفسية ،، ويكونون أكثر تقدماً في دراستهم ،ويكونون أكثر تقدماً في دراستهم وأكثر سعادة في حياتهم من الآخرين الذين يحرمون من ضمة الذراعين والصوت الحنون الذي يطمئنهم، وقد يصابون بصدمة لدى خروجهم للحياة! الأمر الذي جعل "جون بولي" وهو طبيب نفسي إنجليزي يقرر أنّ الرباط بين الطفل والأم إما أن يكون ركيزة الصحة النفسية، أو يكون منطلقاً للمرض النفسي.
لذلك لا تهدد بإيقاف الحبِّ..!!
يهدد الكثير من الآباء والأمهات ولدهم هكذا: "كن مؤدباً وإلا لن أحبك بعد اليوم" أو"إذا فعلت كذا لن تكون حبيبي". ودون أن يتصورا ما تسببه هذه العبارات للطفل من زعزعة لأمانه النفسي وسلب للطمأنينة من قلبه، فإن حب والديه له هو أهم ما يملك، وهو سر شعوره بالسعادة والاستقرار النفسي، حتى وإن كان لا يحسن صياغة تلك المشاعر في عبارات منطوقة، وهذا التهديد المتكرر بسلب الحب يزعج الطفل ويثير لديه المخاوف وعدم الاطمئنان .
إنّ الرسالة الأكثر أهمية التي يريد الأب والمربي هنا أن ينقلها إلى الابن هي: أنه يحبه حباً غير مشروط، ذلك الحب الذي يعني: "قبول الابن بمزاياه وعيوبه"؛ وفي حال الاعتراض على سلوك معين اقترفه الطفل يقول الأب لولده: "أخطأتَ ,لا بأس ما دمت ستتعلم من أخطائك، لكني سأظل أحبك على الدوام. يجب أن يكون الاعتراض منصباً على السلوك وليس على شخصية الطفل؛ الأمر الذي يجعل الطفل مؤمناً بأنه محبوب من الجميع بالرغم من عدم الرضا عن سلوكياته وتصرفاته الخاطئة.
من المهم أن نعرف أن حب الطفل لا يعني تلبية احتياجاته الجسمية والعقلية فقط، وإن كانت مُتَضَمنة بالحب بداهة؛ بل تعني إظهار العواطف والمشاعر الدالة عليه بشكل دائم.
وبناء على ذلك يترتب على الأهل أو على أي شخصٍ مسؤولٍ عن الاهتمام بالأطفال وتربيتهم وتعليمهم،
أن لا يتخذ منهج العقل أسلوباً للتعامل مع الطفل دون تزويده بالمشاعر الرقيقة التي تعبر عن الجانب الإنساني، لأن التربية المبنية على العقل والمنطق فقط ستكون معتمدة على مجموعةٍ من القواعد الجافة الخالية من الحب والود والتعاطف، وسينتج عنها بكل تأكيدٍ أطفال يتمتعون بسوء التوافق،، ويميلون للسرقة والهروب والمشاكسة والعدوان، ويعود السبب الأساس لهذه التصرفات إلى جفاف وفتور التعامل مع الطفل وافتقاده إلى عاطفة الحب والحنان.
هل للحب لغة؟ إن وسائل التربية بالحب أو لغة الحب يمكن أن تتجسد في:
أولاً: كلمة الحب: كم كلمة حب تقولها لأبنائك؟! إن الصور التي يرسمها الطفل في ذهنه عن نفسه هي أحد نتائج الكلام الذي يسمعه, وكأن الكلمة هي ريشة رسام إما أن يرسمها بالأسود أو بألوان جميلة, فالكلمات التي نريد أن نقولها لأطفالنا إما أن تكون إيجابية وإما يفضل عدم البوح بها.
إن الصور التي يرسمها الطفل في ذهنه عن نفسه هي أحد نتائج الكلام الذي يسمعه, ومن هنا نجد أن الأب الذي يسيء الحديث مع طفله ويحط من قيمته ويستهزئ به غالباً مايعاني طفله من مشاكل سلوكية " العدوانية, الانطوائية, الخوف, عدم الثقة بالنفس".
ثانياً: نظرة الحب: اجعل عينيك في عين طفلك مع ابتسامة خفيفة وتمتم بصوت منخفض" أحبك" عدة مرات, هذه الطريقة لها نتائج ايجابية في حياة الطفل.
ثالثاً: لقمة الحب: لا تتم هذه الوسيلة إلا والأسرة مجتمعة على سفرة واحدة, ومن هنا يجب التأكيد على أهمية وضع الطعام في غرفة الطعام بعيداً عن التلفاز حتى يحصل نوع من التفاعل بين أفراد الأسرة وتبادل وجهات النظر.
وأثناء تناول الطعام يحرص الآباء على وضع بعض اللقيمات في أفواه أطفالهم الصغار, ومع الأطفال الأكبر سناً يقوم الأب بوضع بعض الطعام في صحن ابنه وينظر إليه نظرة حب مع ابتسامة وكلمة جميلة ( ولدي لقد اشتهيت لك هذه اللقمة )
رابعاً: لمسة الحب: من المهم جداً الإكثار من اللمس فقد أكدت الدراسات أنه بمجرد قيام الوالد بلمس ابنه يجعل الإحساس بالود ودفء العلاقة يرتفع إلى أعلى الدرجات.فإذا أراد الوالد أن يحدث ابنه أو ينصحه فمن الأفضل أن لا يجلس في مكان بعيد عنه لأنه سيضطر إلى رفع صوته وهذا بحد ذاته يترك أثراً سلباً,
لذلك من الجيد أن يقترب منه, يجلس بجانبه, يمسك بيديه, يضع الابن رأسه على كتف والده, هذا سيجعل العلاقة أكثر قرباً وحميمية.
خامساً: دثار الحب: يمكن أن يقوم بذلك كلا الوالدين, فإذا نام الابن يقترب والده منه ويقبله وسيحس الابن بذلك. هنا يكون الابن في مرحلة اللاوعي أي بين اليقظة والمنام وسينسخ هذا المشهد في عقله وعندما يصحو سيذكر ذلك. بهذا السلوك تكون المسافة بين الطفل ووالده أكثر قرباً.
سادساً: ضمة الحب: لا تبخلوا على أولادكم بضمة من وقت لآخر, فالحاجة إلى الضمة كالحاجة إلى الطعام والشراب والهواء وكلما أخذت منه ستظل محتاجاً له.
سابعاً: قبلة الحب: ترافق ضمة الوالد لابنه قبلات لطيفة تعبيراً عن الحب, هذه المواقف لها الأثر الإيجابي الكبير في حياة الولد.
يضاف إلى ماسبق أن تكون مصغياً لابنك, فالإصغاء يعد من أهم وسائل التعبير عن المحبة، فهو يوصل للطفل رسالة تؤكد أنك تبدي اهتمامك به وبكلامه وتعطيه فرصاً للكلام، وتحسن الإصغاء إليه, ثق به تعبيراً عن محبتك له, فكلما زادت ثقتك به وفي قدراته وأخلاقه كلما استشعر حقيقة محبتك له,
إنّ حاجة أبناءنا للشعور بالحب حاجة ملحة ودائمة، فلنمنح أبناءنا أكبر قدر من الحب فمهما كثر ذلك فإنهم يحتاجونه صغاراً كانوا أم بالغين, ولنعبر لهم, فالحب لن يولد إلا الحب.
بقلم:أ.ديمة سعد
باحثة تربوية
التربية بالحب
Reviewed by Unknown
on
3:33 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: