أحكام المفقود في ظل الحرب
أحكام المفقود في ظل الحرب
كما هو الدمار والقتل والتشريد في سوريا في حالة تزايد، كذلك هي أعداد المفقودين الذين انقطعت أخبارهم عن ذويهم، لتختفي الأسماء ويتحول الجميع الى أرقام في ظل غياب احترام الإنسان ومواثيق حقوقه الدولية ، التي نصت على وجوب اتخاذ كافة التدابير اللازمة من قبل أطراف النزاع للكشف عن مصير الأفراد المفقودين من كلا الطرفين وتزويد عائلاتهم بأية معلومات عن مصيرهم، كما ويتوجب عليهم أيضا التحقق من كافة المعلومات الممكنة عن الموتى قبل تدبر أمر الجثث ووضع علامات على القبور، كما يحق لكافة الأسرى والموقوفين إرسال أخبار شخصية صرفة لذويهم وعائلاتهم.ولحالة المفقود تلك ارتداد سلبي على واقع أسرته بما يخلفه من إشكالات تتجاذبها الشريعة وينظمها القانون المستمد منها بالرغم من الخلاف الفقهي حولها، وعجز كل تلك الوسائل لإيجاد حل يخلو من الظلم الذي قد يقع على أحد أطراف المسألة موضوع النقاش ، وكم من أسرة فقدت معيلها فوقفت حالها لجهلها أن لمعضلتها حل يؤمًن لأفرادها حفظ حقوقهم، كحقوق الزوجة والولد والأهل وسنقدم دراسة فقهية وقانونية لحالة المفقود:
- والمفقود في اصطلاح الفقهاء ،هو الغائب الذي انقطعت أخباره ، ولا تعرف حياته من مماته، ولا يعرف مكانه ،لذلك يخرج من هذا المصطلح السجين الذي عرف مكان سجنه أو الأسير الذي يتواصل مع أهله حتى وإن لم يعرف بأي سجن.
- أحكام المفقود في القانون السوري:
نصت المادة 34من القانون المدني السوري:" يسري في شأن المفقود والغائب الأحكام المقررة في قوانين خاصة، فإن لم توجد ففي أحكام الشريعة الإسلامية".
وبالعودة الى قانون الأحوال الشخصية السوري المستمد من الشريعة والفقه الإسلامي نجد أنه قد نص في المادة 205 على أن:" حالة الفقد تنتهي بعودة المفقود أو بموته أو بالحكم على اعتباره ميتا عند بلوغه الثمانين من العمر، هذا إن لم يكن فقده بسبب عمليات حربية، فإذا كان فقده بسبب عمليات حربية أو حالات مماثلة مما يغلب معه الهلاك، فإنه يجوز الحكم في موته بعد مرور أربع سنوات على فقده ."
وعلى ذلك تبقى شخصية المفقود قائمة قبل الحكم بوفاته، فيبقى زواجه قائماً، وتبقى أمواله ملكا له،ويوقف له نصيبه في الميراث من أقربائه الذين يستحق الإرث منهم حتى يتبين مصيره.
وعند صدور الحكم بموت المفقود يعتبر ميتاً من لحظة صدور الحكم وليس من تاريخ الفقد، فتعتد زوجته عدة الوفاة ويحق لها الزواج بغيره، وتقسم تركته على ورثته الموجودين لحظة صدور الحكم، أما من توفي من الورثة في فترة الفقد وقبل صدور الحكم فلا يرثون لأن الحكم باعتباره ميتاً هو حكم منشئ وليس كاشفاً للموت.
أما الأموال التي آلت للمفقود عن طريق الإرث من أقربائه الذين توفوا أثناء الفقد فترد لمستحقيها من الورثة وقت وفاة مورثه، لعدم التيقن من حياة المفقود وقت وفاة مورثه وهو شرط لاستحقاق الارث.
_ اذا ظهر المفقود حياً بعد الحكم باعتباره ميتاً تسري الأحكام التالية:
بالنسبة لأمواله : يسترد ما كان له من أموال وما استحق من إرث من أقربائه المتوفين من أيدي الورثة، ولا يحق له استرداد ما استهلكه هؤلاء أو تصرفوا به لأنهم ملكوا حق التصرف بتلك الأموال بناء على حكم قضائي فلا ضمان عليهم.
بالنسبة لزوجته:
إذا لم تكن زوجته قد تزوجت بغيره بعد الحكم باعتباره ميتا فتبقى زوجته ويعود إليها من غير الحاجة لعقد جديد، أما إذا كانت قد تزوجت فلا يحق له العودة إليها إلا في ثلاث حالات: الأولى إذا كان الزواج الثاني لم يتم بالدخول، فيكون الزواج الثاني باطلا.
أما الحالة الثانية فهي أن يكون زوجها الثاني قد تزوجها وهويعلم أن زوجها الأول على قيد الحياة، والحالة الثالثة إذا تزوجها الزوج الثاني في فترة العدة.
إن الحالة السورية بما تشهده من نزاع وحروب تحتم على الحاكم أو من ينوب عنه (كالقاضي)اعتبار الظروف التي تمر بها الأمة من الظروف التي يغلب عليها الهلاك، وبالتالي تطبيق الأحكام الملائمة لها مع تحديد مدة الفقد وطرق التحري والبحث التي تطورت كثيراً في زماننا بفضل تطور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي.
والنظر في هذه المعضلة بناء على القاعدتين الشريعيتين:( لا ضرر ولا ضرار) (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) يرفع الظلم عن الزوجة الغائب عنها زوجها ، بأن ييسر لها أمر الانفصال عن الزوج الغائب والاقتران بغيره، ويبعد عنها ضررالوقوع في الفتن والمعصية التي تفقدها دنياها وآخرتها.
كذلك تطبيق السياسة الشرعية التي توجب على الحاكم الاضطلاع بمسؤوليته في البحث والتحري قبل إصدار الحكم باعتبار المفقود ميتا، وتحديد مدة الفقد حسب الظرف التاريخي الذي نعيشه،كي يبعد عن الزوج الظلم في حال كان على قيد الحياة
بقلم: القاضي هنادي أبو عرب
أحكام المفقود في ظل الحرب
Reviewed by Unknown
on
4:01 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: