Top Ad unit 728 × 90

تدمر

تدمر

في قلب البادية السورية إلى الشرق من محافظة حمص /160كم/ تتربع عروس الصحراء تدمر، أو / بالميرا/ كما سماها اليونان عندما أخضعها الإسكندر المقدوني لسلطته في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد، وهو نفسه الإسم الأجنبي للمدينة حالياً.
تدمر المدينة والدولة، الغارقة في القدم، ورد اسمها في أحد الرقم الآشورية المكتشفة في منطقة /كبادوكيا/،عندما كانت محطة تجارية للآشوريين في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد.
كما ورد ذكر تدمر على رقمين وُجِدا في مدينة ماري /تل الحريري على الفرات/ يعودان للقرن الثامن عشر قبل الميلاد، يتحدث الأول عن أربع رجال تدمريين/4 أويلو تدمريا/، والثاني يتحدث أن ستين سوتياً(آرامياً) ذهبوا لينهبوا تدمر.
وفي عصر السلوقيين (312 – 64 ق.م )  ظلت تدمر محتفظة بمكانتها الطيبة, وذلك أن السلوقيين الذين وحدوا سورية والعراق في ولاية واحدة هي ولاية سورية, شجعوا الطريق التجاري الذي كان يمر بالعراق وتدمر, منافسة للبطالمة الذين أرادوا أن تمر التجارة من طريق البحرالأحمر ومصر.
 بقيت تدمر تتمتع بالحكم الذاتي طيلة فترة خضوعها للحكم الصوري الروماني ,إلى أن وصل الملك كركلا إلى الحكم إذ  


جعل تدمر تُعادل روما حيث أعفاها من الضرائب وكان هذا دفعاً جديداً للاقتصاد التدمري.
وكانت أسرة أُذينة على رأس الإدارة في تدمر, وزعيم هذه الأسرة أذينة بن السميدع , وتمتعت هذه الأسرة  بالمكانة والجاه ما جعلها تفرض سيطرتها على مفاصل المدينة , ووصل أُذينة الى منصب عضو في مجلس الشيوخ الروماني واستطاع أن يحكم تدمر حكماً مباشراً على طريقة مجلس الشيوخ الروماني وألف قوةً عسكريةً مستفيداً من العناصر التدمرية التي تخدم في الجيش الروماني بعد أن ضم الشباب التدمريين وأبناء القبائل المجاورة لتدمر, مما هيأ له الإمكانية لتنفيذ الخطة الرامية الى إيجاد شخصية سياسية مستقلة لتدمر, وقد نجح بذلك عام 250م فأعلن نفسه ملكاً مما أرعب الرومان فدبروا مؤامرةً، فقتلوه, وخلفه ابنه خيران ثم تولى أخوه أُذينة الثاني إدارة شؤون تدمر, وباستلام أُذينة الحكم دخلت تدمر في عصرها الذهبي حيث تمكن من تأسيس قوةٍ عربيةٍ تمكنت من التغلب على الفُرس عامي 262 و267م وتحرير كثيرٍ من المناطق التي كان الفُرس قد اجتاحوها, وحصل على لقب ( امبراطور جميع بلاد الشرق) أي أنه أصبح نائب الامبراطور في القسم الشرقي من الامبراطورية الرومانية مكافأةً له على بطولته في حمايتها, ولقِّب أيضاً (ملك الملوك) ومنحه مجلس الشيوخ الروماني لقب ( أغسطُس) وهو لقبُ أباطرة الرومان, لكن حدث ما لم يكن بالحسبان فأثناء عودته من حربه مع القوط قُتِل في حمص في ظروف غامضة وتولت زوجته زنوبيا إدارة البلاد لأن ابن أُذينة وهب اللات كان صغيراً , وتابعت زنوبيا مسيرة زوجها واستمرت بأعمالها التوسعية ففي عام 270م أرسلت جيشاً إلى مصر انتصر على الجيش الروماني في بايليون, وسيطرت على مصر وكدليل على صحة هذا الخبر عُثر على عملةٍ تدمريةٍ ضُرِبت في الاسكندرية, نُقِش على هذه العملة صورة وجه وهب اللات الى جانب صورة وجه الامبراطور أورليان, وفي عام 271م ضربت نقود في سورية والاسكندرية لم تعد تظهر فيها صورة امبراطور الرومان أورليان, بل ظهر وهب اللات متوجاً بالإكليل ذي الأشعة.
وأخذت تقيم المنشآت الضخمة في عاصمتها وتكتب عليها ألقابها وألقاب ابنها وأسماء قادتها, ووصلت بجيشها الى مضيق البوسفور  وبذلك بلغت تدمر قمة مجدها السياسي وهذا ما أفزع الرومان والامبراطور الروماني فجهّز جيشاً اجتاح به الأناضول عام 272م ثم اجتاح حمص ودخل في معركة مع زنوبيا تمكن من أسرها وبذلك أنهى الحكم التدمري فيها وزالت بذلك تدمر سياسياً ولم تبق إلا أطلال القوافل وآثارها التي تشهد على عظَمتِها.

ومع وصول طلائع الامتداد الإسلامي نجد أن تدمر لم تعد بتلك الأهمية التي كانت عليها ولم تلعب أي دور يُذكر سواءً زمن الأمويين أو العباسيين أو الأيوبيين أو المماليك ولا حتى العثمانيين.
-وفي العصر الحديث أصبحت مدينة تدمر قسمان:
- القسم الحديث ويسكنه أبناء الحاضرة تدمر ،مع أبناء العشائر العربية ( العمور – بنو خالد – الحديديين – النعيم )، يعمل قسمٌ منهم في الزراعة وخاصة في زراعة الزيتون في البيارات الشرقية المحيطة بالمدينة ، وهذه البيارات قديمةٌ قد يصل عمرهاالى ال400سنة، والبعض الآخر بالرعي وتربية المواشي، وقسمٌ يعمل في السياحة .
- المدينة الأثرية: أصبحت قبلة ًسياحيةً عالميةً، صنفت آثارها ضمنَ قائمة ِالتراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة.
- المدينة كلها محاطةٌ بسورٍ من عهد الملكة زنوبيا، مدعم بأبراجٍ مربعةٍ أو دائريةٍ.
- تضم مدينةُ تدمر شارعاً رئيسياً يقطُعها من الشرقِ إلى الغربِ ممتداً بطول 1100م،
جُعِلت له بوابةً كبيرةً عُرِفت باسم :
- قوس النصر:هي بوابة تتألف من 3 مداخل ذات أقواس.
وتتفرع عنه شوارعَ فرعيةٍ تؤدي إلى المباني الهامة.
- ندخل باتجاه الغربِ في الشارع الطويلِ لنجدَ معبد نبو :على الجهة اليسرى من الشارع ,تم البدء ببناء هذا المعبد في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، وتمّ الانتهاء منه في ﻧﻬاية القرن الثاني الميلادي كُرّس المعبد للإله نبو، ويتألف من الهيكل الذي بُنيَ على منصة في وسطه يحيط بالهيكل رواقٌ محمولٌ على 32 عمود, أما في الداخل فإننا نجد محراباً لتمثال الإله
- يقابلُه في الجهة اليمنى الحمامات :وهي عبارةٌ عن تجمعٍ معماريّ  من مبنىً رئيسيّ مقسوم ٍلثلاثة أقسام: القسمُ البارد و الدافئ و الحار، تتقدمه واجهةٌ مؤلفةٌ من أربعة أعمدةٍ غرانيتيةٍ حمراءَ جُلبَت من مصر، ويضم مجموعةَ ملحقاتٍ كباحةٍ للرياضة والاجتماعات
- إذا تابعنا السير في هذا الشارع سيظهر لنا صرحٌ عظيمٌ في الجهة اليسرى منه
المسرح : بُنِيَ في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي على الطراز الروماني، على شكل نصف دائرة قطرها 20م، تحفّ به مدرّجات، الباقي منها (13) درجة. وأمام الأوركسترا تقع منصة التمثيل، المحددة بثلاثة أواوين ذات محاريب لرفع تماثيل آلهة الفنون، ومجهزة بدرجين يؤديان إلى الصحن، ودرجين إلى الخارج، إضافة لثلاثة أبواب عبر الأواوين.
- وعند تقاطع الشارع الرئيسي ذو الأروقة مع شارع رئيسي آخر، ترتفع المصلبة أو "تيترابيل"، وهي تتألف من 4 مصاطب, فوق كل منها 4 أعمدة, وبين كل 4 أعمدة تمثال.
- وفي نهاية الشارع من الجهة الشمالية للمدينة هيكل الموتى، وفي نهايته من الجهة الأخرى الأغورا: الميدان أو الساحة العامة، حيث تعقد الاجتماعات العامة، وهذا البناء من منجزات القرن الثاني الميلادي، يتألف من باحة مربعة تقريباً، وتظلله أربعةُ أروقةٍ محمولةٍ على أعمدة.
- كما تضم المدينة القديمة أبنيةً وأوابد أثرية أخرى مهمة مثل: مجلس الشيوخ، معسكر ديوقلسيان، الأعمدة التذكارية، الكنائس...
عند الـ تيترابيل و باتجاه الغرب يوجد معبد اللات : يقع هذا المعبد في الحي الغربي من المدينة، وقد كرّس إلى الربة الأم عند العرب وربة الحرب، يعود تاريخ هذا المعبد إلى القرن الثاني الميلادي. ويتألف من باحة مستطيلة يتوسطها حرم يتقدمه رواق من ستة أعمدة.
ومعبد بلحمون ومناة : يقع هذا المعبد في قمة الجبل الغربي، بني عام ٨٨ م، وقد كرّس لإله كنعاني وللإلهة مناة.
- في أقصى الغرب والى الشمال قليلا تتربع قلعة فخر الدين المعني : أعلى قمة جبل مطل على المدينة  تنسب هذه القلعة إلى الأمير فخر الدين المعني الثاني في بداية القرن 17 الميلادي. وقد يعود أصل هذه القلعة إلى العهد الأيوبي. 
نلتفت إلى الشمال قليلاً فيظهر لنا معبد بعلشمين:يقع هذا المعبد في الجهة الشمالية من المدينة، تم تكريسه للإله بعلشمين (سيد السموات). بني في القرن الثاني الميلادي. يتألف المعبد من هيكل وباحتين شمالية وجنوبية فيهما أروقة.
- أما من الجهة الجنوبية الغربية تقف المدافن التدمرية شامخة تعانق السماء ونجد أربعة أنواع من المدافن :
-المدافن البرجية    
-المدافن الأرضية
-المدافن البيتية  
- المدافن الفردية
ومن جهة الجنوب الشرقي نجد معبد الإله بل : من أهم المعابد في تدمر ، كان مكرّساً للإله بل بشكل أساسي، وللثالوث الإلهي الذي يضم الرب بل – ويرحبول وعجلبول، دشّن سنة ٣٢ م، وتم الانتهاء من بنائه في القرن الثاني الميلادي . يتألف هذا المعبد من الهيكل الرئيسي الذي يقع في وسط باحة مربعة واسعة، يحيطها سور مزود بأروقة محمولة على أعمدة، وفي داخل الهيكل محرابان شمالي وجنوبي .
وفي الختام نقول : تدمر حضارة سورية وتاريخ يتجلى في مدينة. وما يميّز تدمر عن غيرها من المدن الأثرية والتاريخية ليس فقط موقها وقدمها، بل هو طابعها الحضاري المحلي الأصيل الذي يتجلى بوضوح في تكريس معابدها لآلهة شرقية محلية (بل، يرحبول، نبو، اللات,بعلشمين ...) وفي مدافنها المتميزة بمنحوتات وزخارف ولوحات جدارية (الفريسك)، تروي قصص وتاريخ أُسَرِها التدمرية العريقة، ولغتها الآرامية التدمرية الأصيلة.
يقول التلمود اليهودي : "يا لسعادة من سوف يرى نهاية تدمر"
 ونقول: تدمر في قلوب كل السوريين، ولن تدمرها كل عواتي الزمن.




تاريخياً : كريم سعد       أثرياً \:سليم مقداد
   ماجستير تاريخ             ماجستير آثار

تصوير : سليم مقداد
تدمر Reviewed by Unknown on 11:02 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

All Rights Reserved by تجريب © 2014 - 2015
Powered By Blogger, Designed by Sweetheme

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.