Top Ad unit 728 × 90

تجارة الموت أم لقمة العيش

تجارة الموت أم لقمة العيش

لم تعد تجارة السلاح في سوريا حكراً على التجار الكبار الذين يستغلون زمن الأزمات، بل أصبحت تجارةً منتشرةً حتى في البقاليات، ولم يعد حمل السلاح واقتناؤه حكراً على المقاتلين ضمن صفوف الأطراف المتنازعة في زمن ساد فيه قانون الغاب ، وانعدم الأمن والأمان، فحتى المواطن العاديّ أصبح يقتني السلاح لقناعته بحاجته إليه لحمايته وحماية عائلته..
وكذلك الأمر بالنسبة لحامليه، فليس الرجال وحدهم من يحملونه ، بل أيضا النساء والأطفال ، ظاهرة لا تقتصر على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بل كذلك في المناطق الخاضعة لسلطته وقوانينه.
إن ما تقدم ليس ظاهرةً غريبةً على أي مجتمعٍ أو دولةٍ في ظلّ ثورةٍ أو نزاعٍ أو حربٍ ، ولكنّ الغريب كيف تحولت أعداد كبيرة من المواطنين إلى تجّار سلاح، فلا تجد قرية إلا وفيها تاجر سلاح وربما تجد قرية يعمل أهلها بالكامل بتجارة السلاح ، هل هو السّعي خلف لقمة العيش أم الطمع في الأرباح الكبيرة لتلك التجارة؟
إن رواج سوق السلاح في سوريا قد حوّل اقتناء قطع سلاحٍ إضافيةٍ إلى ملاذ آمن للحفاظ على قيمة النقود المدخرة لدى بعض الأسر، لعدم الثقة باستقرار العملة المحلية ، ويعتبر هذا الملاذ حاميا لنفسه في ظل غياب الأمن، وبالتالي أصبح اقتناء قطع السلاح الخفيفة والمتوسطة بديلاً عن الذهب والدولار  لأصحاب المدخرات.
كذلك تحولت الذخيرة إلى شبيهٍ للعملة بعد أن أصبحت أسعارها مكشوفةً للجميع، وأصبحت تنال القبول في العمليات التجارية الكبيرة منها والصغيرة، فكثيراً ما ترى طفلاً يدخل إلى دكان السمانة ويقدم للبائع طلقة مسدسٍ أو بندقية آليةٍ ليشتري بقيمتها بعض الحاجيات ، فيقبلها البائع وكأنه أعطاه قطعةً نقدية ًمعلومة القيمة.
أما في مناطق النظام فان هذه الظواهر ما تزال مختلفة نوعاً ما، فأغلبها يحافظ على نوعٍ من السرية والكتمان، لكنها تتشابه من حيث الشيوع الواسع، إذ لم يعد في تلك المناطق منزلاً يخلو من قطعة سلاحٍ, خاصةٍ أو لأحد أفرادها الموجودين في الجيش أو المنتسبين إلى اللجان الشعبية، وأيضا أصبحت النساء تحمل السلاح بعد أن تم تشكيل ما يسمى كتائب البعث .
إن انتشار الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بهذه الكثافة بين أيدي المواطنين في سوريا أخطر بكثيرٍ من حالة خروج الأسلحة الثقيلة كالدبابات والمدافع من حالة المأسسة الحكومية لأيدي أفرادٍ وتنظيماتٍ وجماعاتٍ، لما تتمتع به تلك الأسلحة من خفةٍ في الوزن وسهولةٍ في النقل والإخفاء وسهولةٍ في الاستخدام ، كما أن توفر الذخيرة وانخفاض سعرها يجعل من استخدامها أمراً غير مكلفٍ .
وفي المناطق الخاضعة للمعارضة المسلحة، فإن أغلب القوى  والفصائل  التي استطاعت بالفعل فرض سلطتها لم تعِ خطورة هذا الأمر فلم تقم بنزع السلاح أو جمعه لتفادي إشعال المشاكل والفتن بين أبناء المنطقة الواحدة .
كذلك الأمر بالنسبة لرواج تجارة الأسلحة والذخائر في مناطق النظام، فعناصر الجيش واللجان أحياناً يقومون ببيع قسمٍ من الذخيرة المسلَمة لهم، تحت غطاء الاستهلاك في المعارك، أو حتى بضربات استباقية على جدران البيوت في المناطق المعارضة المتاخمة لمناطقهم تبريراً للنقص الحاصل لديهم ، كل ذلك لسد رمق عائلاتهم وتأمين احتياجاتها بسبب الارتفاع الجنونيّ للأسعار وعدم كفاية معاشاتهم، كذلك يقومون ببيع قطع السلاح التي يغنمونها أثناء المعارك ، وربما يقومون أحيانا ببيع سلاح زملائهم الشهداء، وهذا ما أوجد أيضا طبقة من التجار التي تحتمي ببعض أصحاب السلطة هناك.



بقلم:محمد مصطفى
تصوير:ماجد عثمان
تجارة الموت أم لقمة العيش Reviewed by Unknown on 11:08 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

All Rights Reserved by تجريب © 2014 - 2015
Powered By Blogger, Designed by Sweetheme

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.