Top Ad unit 728 × 90

هجرة العقول نزيف في الجسد السوري

هجرة العقول نزيف في الجسد السوري

لم تعد هجرة السوريين للبحث عن أحلام صعبة المنال في ديارهم، بل أصبحت هرباً من موتٍ شبه محقق، فمن لم يمت نتيجة القصف العشوائي لطرفي النزاع على مناطق الطرف الآخر تحصده الجماعات المتوحشة المحسوبة على أحدهما، ومن سلم مما سبق لا يأمن على نفسه وعياله الموت برداً وجوعاً.
لم تعد أدنى متطلبات الحياة موجودة في سوريا، عاد السوريون للعيش في حياة القرون الوسطى وربما قبل، لا كهرباء ولا ماء ولا خدمات، والأسوأ من ذلك لا قانون يحمي حياتهم ، ولا أخلاق تنظم علاقاتهم، قانون الغاب سيد الموقف.
في مناطق النظام لا يأمن المرء على نفسه خطر الإعتقال بدون سبب، حتى لو كان ممن اهترأت نعالهم في حفلات الانتصار على المؤامرة، وإن سلم من الإعتقال تم سوقه للخدمة في الجيش للخوض في معارك يرى غالبية السوريين أن لا طائل منها.
وفي مناطق المعارضة لا يقل الأمر سوءا، فالإعتقال والاختطاف ممكن في أي لحظة ولأي شخص، فلكل فصيل محاكمه الخاصة وقانوانينه الخاصة وأحكامه الخاصة.
أما مناطق سيطرة داعش فهناك حديث آخر، أحكام الرجم والذبح والصلب أسهل من شرب الماء، بالإضافة للعقوبات الجسدية التي تُشَّهر بالمحكومين كالجلد على الملأ والتجريص.
تلك الظروف والمخاطر مجتمعة  زادت من وتيرة الهجرة (غير النزوح)، بما لهذه الظاهرة من تأثيرات سلبية على حاضر ومستقبل البلد، وخاصة هجرة العقول، بما ستخلفه من فراغ في الكثير من القطاعات الأساسية والضرورية.
وللغة الأرقام كلمتها في هذا الموضوع، ومؤشراتها تدل على وقوع كارثة على المستوى الوطني في كافة المجالات العلمية والعملية، بعد أن غادر الكثير من أصحاب الكفاءات ،وما سنعرضه من أرقام يعطي تصوراً مبدئياً  دون أن يكون إحصاء كاملاً  لحجم تلك الكارثة.
ففي عام 2011 تخلف من محافظة إدلب 72 محامٍ عن أداء التزاماتهم  لنقابة محامي إدلب، غالبيتهم بداعي السفر خارج القطر.
في العام نفسه تخلف 48 طبيباً عن نقابة أطباء إدلب- 127طبيب عن نقابة أطباء درعا- 52 طبيباً عن نقابة أطباء حمص- 21طبيباً عن نقابة أطباء حلب، وغالبيتهم أيضا غادروا القطر.
في العام 2012 بلغ عدد الأطباء المتخلفين عن أداء التزاماتهم لنقابات الأطباء على مستوى سوريا 513طبيب.
عام 2013 بلغ عدد الأطباء المتخلفين عن أداء التزاماتهم 1254 طبيب على مستوى القطر، وعدد المهندسين 2180 مهندساً، و837 محامٍ.
مع الإشارة إلى أن هذه الأرقام قد تضاعفت عدة مرات في العام 2014 بسبب ازدياد رقعة الصراع وشدته، وازدياد المساحة التي تسيطر عليها داعش، بالإضافة الى ازدياد أعداد المطلوبين لخدمة الاحتياط في صفوف جيش النظام.
كما أن الأرقام السابقة لا تشمل إلا ثلاثة قطاعات من بين العشرات، فهناك قطاعات أخرى أصابها النزيف نفسه، كالتعليم بفرعيه الأساسي والعالي والصحافة ومراكز الأبحاث.
في الوقت الراهن أدى ازدياد هذه الهجرة مع الظروف الأخرى المتبقية اإى تفاقم الكثير من الأزمات ، وخاصة في قطاعي الصحة والتعليم، القطاعين الأكثر تضرراً في هذه الأزمة، مما أدى إلى ازدياد الجهل والأمية، وإلى انتشار الكثير من الأمراض، وفقدان بعض المصابين لأدنى متطلبات العناية الصحية مما أدى لانتشار العاهات الدائمة وربما فقد البعض حياتهم رغم أن إصاباتهم خفيفة.
ولعل الارتدادات المستقبلية لهجرة العقول ستكون أخطر بكثير مما هي عليه الآن لاستفحال الجهل وتخلف المجتمع وعجزه عن القيام بترميم جرحه بعد انتهاء هذه الحرب، ولا سيما أن أغلب المهاجرين قد سافروا إلى دول متقدمة تعمل على توطين الكفاءات بتقديم كل الإمكانيات لتثبيتها وعدم ترك أي فرصة للتفكير بالعودة إلى وطنها الأم.

بقلم:سمير منصور
هجرة العقول نزيف في الجسد السوري Reviewed by 0 on 1:54 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

All Rights Reserved by تجريب © 2014 - 2015
Powered By Blogger, Designed by Sweetheme

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.