دور الأسرة في الرد على أسئلة الأطفال الحرجة
دور الأسرة في الرد على أسئلة الأطفال الحرجة
في كلِّ أسرةٍ يولد الأطفال وهم أحباب القلوب, ويبدأ الواحد منهم باستكشاف الحياة بنفسه, فنرى الطفل بطبعه الفضولي يسعى لمعرفة العالم الخارجي المحيط به, واكتشاف أسراره, وعندما تواجهه مشكلة ما في تفسير إحدى الظواهر الحياتية وتعجزه بعض الوسائل يلجأ إلى السؤال عنها, فيسأل الأب أو الأم أو الأخ الأكبر, ومعظم هذه الأسئلة تكون فطرية تتعلق بحياة الإنسان الطبيعية, ولكن غالباً لا تجد الأم إجابة عن سؤال الطفل إما لعدم إلمامها بالموضوع أو لعدم قدرتها على شرح الفكرة, فقد يكون السؤالُ محرجاً بحيث تحتار الأم في وضع إجابة شافية, وهناك نوع من الأسئلة التي قد لا يجيب عنها الآباء والأمهات رغم معرفتهم بها, ففي مرحلة معينة هناك الكثير من الأسئلة التي يطرحها الطفل وهو بحاجة للإجابة عليها, فيطرح السؤال على والدته, لأنها بنظره مصدر ثقة ومعرفة.في فطرة الأطفال أسئلة وأسئلة كثيرة, فالطفل عندما يولد يكون خالياً من المعلومات والخبرات الحياتية، والذي يحدث هو أن الطفل تبدأ ملاحظاته للعالم من حوله, فيبدأ بملاحظة وجود فوارق بين أمه وبين أبيه وبين أخوته وأخواته, ويبدأ بطرح الكثير من الأسئلة الجنسية تتمحور حول موضوع الجنس والعلاقات الأسرية فيسأل مثلاً: من أين أتيت أنا؟ لماذا ألبستي تختلف عن ألبسة أختي؟ لماذا لا أستطيع أن أظل عارياً؟ من أين أتى أخي الصغير؟
في سن الثانية والثالثة يبدأ الطفل بطرح الأسئلة ليكتسب المعرفة, فالسؤال والجواب مع الطفل له أصول وضوابط وعلى الأسرة والمربين أن يهتموا بنوعية سؤال الطفل وأهدافه، حيث أن رغبة الطفل في التعرف على الأشياء والأشخاص والمواقف هي التي تدفعه إلى السؤال.
تختلف أسئلة الطفل من سنة إلى أخرى وتكون الإجابة عنها أكثر وضوحاً وفهماً كلما زاد عمره, فمثلاً سؤال الطفل عندما يكون في الثالثة من عمره من أين أتى أخي؟ وإجابته بأنه ولد من بطن أمه, لا يمكن أن تكون هذه الإجابة على نفس السؤال في عمر السابعة أو الثامنة وتتطلب الإجابة دقة ووضوحاً أكثر, وهناك الكثير من الدراسات التي أثبتت أن عدم إجابة الآباء والأمهات على أسئلة أبنائهم حتى البسيطة منها قد تركت أثراً سلبياً, حيث أن 65% من الأطفال قبل سن المراهقة يعانون من نقصٍ في المعلومات الجنسية, و3% لديهم معلومات مشوهة و2% ليس لديهم معلومات على الإطلاق, وإذا حاولنا تفسير هذه النسب نجد أن البعض من الآباء والأمهات عندما يسألهم الابن/الابنة سؤالاً متعلقاً بالجنس فغالباً لا يجيبون عليه، لأنهم يعتبرون أن الأبناء ما زالوا صغاراً لإجابتهم على هذا النوع من الأسئلة وتكون إجابتهم: عندما تكبرون ستعرفون, والبعض الآخر يجيب أبناءه إجابة مغلوطة اعتقاداً منهم بأنهم لو أجابوا إجابة صحيحة سيؤثرون على مستقبل أبنائهم لأنهم عرفوا أشياء حول الجنس، ولكن لماذا نجيب بشكل خاطئ أو نؤجل الإجابة لمرحلة لاحقة ونحن نعلم أن النمو عملية مستمرة وكل سنة تزيد أسئلة الطفل ويتطور مستواه العقلي, لذلك يجب على كلِّ أم وأب أن لا يضع ستاراً حديدياً من الصمت في وجه أسئلة الطفل الجنسية، لأنه سيعرف في وقت ما الحقيقة الأساسية من أي مصدر سواء من الأقران أومن وسائل الإعلام المختلفة, فيفقد ثقته بوالديه وخاصة عندما يطرح سؤالاً حول القضايا الجنسية فيتهرب منه المربي أو يبدو محرَجاً أمام طفله، فتهتز صورة الأب في ذهن الطفل، فكثير من الآباء يعتقد أنه لا يجوز للطفل أن يفكر بهذه الأسئلة أو تلك ويطرحها, وينبغي أن لا يقترب منها أو حتى يفكر فيها, ولكن من جهة أخرى فإن استخدام أسلوب العنف والعقاب والزجر في الرد على أسئلة الأطفال أو منعهم من الحصول على إجابة محددة, أو طرح أي سؤال يعتبره الأطفال عادياً وضرورياً, سينمي في شخصيتهم الشعور بالنقص أو الإثم, وأمام هذا الانغلاق في التفكير عند الآباء والأمهات, قد يقود الأطفال إلى حب الاستكشاف الجنسي والرغبة في المعرفة دون ضوابط محددة لسلوكهم, وهنا تأتي مشكلة أخرى وهي أن الكبت يؤدي إلى تأجيج الفضول الجنسي، ويتحول الصغير إلى مفتشٍ عن الأمور الغامضة ليجد جواباً لأسئلته، وإذا واجه الصغير الفشل في الوصول إلى إجابات مقنعة يفقد ثقته في قدرته العقلية ويفقد ثقته بوالديه لأنهما يفشلان في مواجهة أسئلته العفوية.
ماذا يجب أن نفعل كآباء وأمهات؟ وما هي شروط الإجابة عن الأسئلة الجنسية التي يطرحها الطفل؟ يجب أن تكون الأجوبة مناسبة لسن وحاجة الابن/الابنة وفق سرعة النمو الجسدي العقلي, ووفق الظروف التي تحيط به, فولادة طفل تثير تساؤل الصغار, ومناظر الحب في التلفاز تثير نوعاً آخر من الأسئلة, وأيضاً يجب أن تكون الإجابة متكاملة ومستمرة، فهناك اعتقادٌ خاطئٌ بأن التربية الجنسية هي معلومات تُعطى مرة واحدة ودفعة واحدة وينتهي الأمر وهذا خطأ, لأنها تعطى على مراحل وبأشكال مختلفة، لذلك عليكِ أن تسألي طفلك عن رأيه بالموضوع, اجعلي إجابتك صحيحة وقصيرة وبسيطة, ولا تنزعجي من ملء رأسه بالأفكار, فواجبك هو تقديم المعرفة ومساعدته في وضع النقاط على الحروف، وبالنهاية فإن أسئلة الطفل ناجمة عن عدة دوافع كخوف الطفل, ورغبته بالاطمئنان أو رغبته بالمعرفة أو لجذب انتباه والديه أو لسعادته أنه استطاع أن يتقن الكلام والفهم، وعلينا ألا نهمل أسئلة الطفل ولا نغفل عنها بل يجب أن نشوق الطفل إلى المعرفة النافعة وإجابته على قدر فهمه عن تلك الأسئلة التي يطرحها أو يسأل عنها, وبالطبع نقول: ثقوا بأولادكم فإنهم يفهمون أكثر مما تظنون لا تكبتوهم ففي ذواتهم تساؤلات عديدة وهم لا يجدون في طريقهم إلا أنتم, وحدكم تستطيعون رفده بالمعرفة والمعلومة العلمية الصحيحة.
يقول علماء النفس: إذا سألكِ الطفل عن الجنس, فلا تغيري الموضوع كما يفعل الكثير من الآباء والأمهات, بل انتهزي الفرصة لمناقشة الأمر, وتوضيح كل المعلومات الخاطئة التي يحملها الطفل, وانقلي إلى طفلكِ قيمكِ فمن المهم أن تجيبي على الأسئلة التي يطرحها، وبذلك تضمنين أن يصبح متوازناً نفسياً, وواثقاً من قدرة الأسرة على مساعدته متى احتاج لهم.
هناك أنواع عديدة من أساليب التنشئة الأسرية في التعامل مع الأسئلة التي يطرحها الطفل/الطفلة, فهل لتلك الأساليب أثر تربوي في تكوين شخصية الطفل لنشاهد نماذج منها:
الأسلوب الديموقراطي: هو أحد الأساليب السويّة التي تتبعها الأسرة في التنشئة الاجتماعية للطفل, بحيث يتيح هذا الأسلوب للطفل المناخ المثالي للنمو, ويقوم بتأمين المحبة والاحترام إلى جانب السلطة الخيرة المبنية على قواعد وقوانين, فعندما ينمو طفل في هذه النوع من الأسر, يقوم بطرح أسئلته المتعلقة بالجنس ويتلقى عليها إجابة صادقة وواضحة بعيداً عن الغموض والتشويه, فبذلك يكتسب الطفل شخصية تتسم بقدر عالي من الاتزان والثقة بالنفس والبعد عن التعصب, إضافة إلى شعور الطفل بالولاء للأسرة التي ينتمي إليها, وأنها مصدر حبه وثقته بنفسه وتعاونها في اكتشاف كل ما حوله.
الأسلوب المتسلط: ويعني المنع والرفض الدائم لرغبات الطفل حتى لو كانت صائبة ومشروعة، ويعني استخدام الوالدين لسلطتهما ووضع القواعد والمعايير السلوكية التي على الطفل إتباعها وعدم الحياد عنها، وهذا الأسلوب القمعي يقوم على إخضاع الطفل للسلطة الأبوية إما بالتهديد أو التخويف.
في هذا النوع من الأسر كيف للطفل أن يطرح سؤالاً على والديه يتعلق بالجنس وهو يعيش حالة الخوف, ثم حتى لو طرح سؤالاً, فسترفض الإجابة نتيجة التعصب, ويؤدي هذا الأسلوب إلى تكوين طفل لديه عقد نفسية كعقدة الذنب والنقص، وتصبح شخصيته حقودة وخائفة وتكون أيضاً انفعالية عصابية وأحياناً انطوائية.
الأسلوب المتساهل: ويتمثل بترك الطفل دون تشجيع من والديه على أي سلوك مرغوب فيه, أو دون محاسبة على أي سلوك غير مرغوب فيه قام به, وتركه دون توجيه إلى ما يجب أن يفعله أو لا يفعله, هنا نجد المبالغة في الحرية إلى الحد الذي يترك الطفل على هواه يفعل ما يريد وكما يشاء كرد فعل طبيعي للمبالغة في التساهل, وفي هذه الأسر نجد الطفل لا يطرح سؤالاً على والديه لأنه تعوّد البحث بمفرده أو تعوّد أن يتلقى معلومة من أي مصدر آخر، فهو لا يجد في والديه الشخصية القادرة على إجابته لأنه تُرك كما يشاء وهنا تكمن المشكلة بحيث يؤدي الطفل سلوكاً منافياً للأخلاق، إن انحراف الأبناء واختزان القيم الفاسدة إضافة إلى القيام بسلوكيات مدانة اجتماعياً وقانونياً هو نتيجة غياب دور الأهل في المراقبة والتوجيه فيصبح الانحراف لهؤلاء الأطفال أمراً عادياً.
الاختصاصية التربوية
غزوة محفوض
دور الأسرة في الرد على أسئلة الأطفال الحرجة
Reviewed by 0
on
4:09 م
Rating:

ليست هناك تعليقات: