كيف نتعامل مع مشاكل أطفالنا
كيف نتعامل مع مشاكل أطفالنا
الانضباط الإيجابي
يقول العالم التربوي جان جاك روسو "قبل أن أتزوج كان لدي ست نظريات في تربية الأطفال، أما الآن فعندي ستة أطفال وليس عندي نظريات لهم" مؤكِّداً في قوله هذا على التحديات التي ستواجه كلَّ أبٍ وأمٍ في تربية أطفالهم والتعامل معهم، فهل أنتم جاهزون لهذه المهمّة ؟ هل خطّطتم لمستقبل أطفالكم أو لمجرّد إنجابهم؟ أمْ هُم ثمرة زواج ليس إلاّ؟
(ليست الوالدية غاية بل هي رحلة, وكما في كل رحلة علينا أن نكون مستعدين).
البكاء المستمر, العدوانية, كثرة الحركة, الخوف, الكذب... تحديات كثيرة تعيشونها مع أطفالكم تسبب التعب تارةً واليأس تارةً أخرى وأحياناً تشعرون بالضياع والعجز, وهذا ما يدفع الكثير منكم للبحث عن أساليب تربوية تساعدكم في التعامل مع هذه التحديات بطريقة إيجابية وسليمة؟
كيف نطبق أسلوب الانضباط الإيجابي في التعامل مع الأطفال:
يستند الانضباط الإيجابي إلى أربعة مبادئ تتمحور فيما يلي:
أولاً: تحديد الأهداف بعيدة المدى: تريد لطفلك أن ينتعل حذاءه بسرعة, يدخل البيت بسرعة, ينهي واجباته بوقت محدد, إنها أهداف قريبة تسعى لتحقيقها الآن أما الأهداف بعيدة المدى فهي التي ترغب في تحقيقها عندما يصبح أطفالك بالغين، فقد تريد لابنك أن يكون لطيفاً, مهذباً, حكيماً في اتخاذ القرارات, غير عنيف.
من أصعب الأمور في ممارسة الوالدية تحقيق الأهداف بعيدة المدى إلى جانب الأهداف قريبة المدى في الوقت ذاته، لنذكر مثالاً على ذلك: تقومون بتجهيز أطفالكم للذهاب إلى المدرسة, الوقت بدأ يتأخر وعلى طفلكم أن يتناول طعامه ويرتدي ملابسه ويغادر البيت ضمن وقت محدد, كل ماتريدونه في هذه اللحظة هو أن يصل طفلكم إلى المدرسة في الوقت المحدد, قد تصرخون عليه أو ربما تقومون بضربه, في هذه الحالة فأنتم تركزون على هدفكم القريب وهو أن يصل طفلكم المدرسة في الوقت المحدد ولكن ماذا عن أهدافكم البعيدة.
عندما تقومون بالصراخ عليه هل تعلمونه أن يكون لطيفاً؟! عندما تقومون بضربه هل تعلمونه كيف يحل مشاكله؟!
إن الطريقة التي نتصرف بها في المواقف قريبة المدى هي بمثابة نماذج لأبنائنا حيث إنهم يتعلمون كيف يتعاملون مع الضغوط من خلال مراقبتهم مانفعله.
كثيراً ما نتعامل مع الإحباطات قريبة المدى بطريقة تشكل عائقاً أمام تحقيق أهدافنا البعيدة فالصراخ والعقاب سيعلمان أطفالكم العكس المطلق لما أردتم أن يتعلموه على المدى البعيد.
بالتأكيد لدى تعاملكم مع أطفالكم ستواجهون بعض المواقف التي ستقودكم بسهولة إلى التفكير في أهدافكم القريبة, ولكن إذا استعنتم بأهدافكم بعيدة المدى كدليل لكم فسيكون باستطاعتكم الاستجابة بطريقة أكثر نجاحاً للتحديات الحالية.
كيف يمكنكم تحقيق أهدافكم القريبة والبعيدة المدى في الوقت ذاته؟ المفتاح الرئيسي هو رؤية تحديات المدى القريب كفرصة للعمل باتجاه أهدافكم للمدى البعيد, ففي كل مرة ينتابكم الإحباط تتاح أمامكم الفرصة كي تكونوا قدوة لأطفالكم.
كيف توفر الدفء لأطفالك؟عبِّر لهم عن حبِّك, القراءة والاستماع لهم, معانقتهم ومواساتهم عندما يشعرون بالأذى أو الخوف, محبتنا لهم حتى عندما يخطؤون, رؤية الموقف من وجهة نظرهم, مدحهم, دعمهم, اللعب معهم, تشجيعهم, ثقتنا بهم.
أما البُنية فهي أن تُعطي طفلك إرشادات واضحة لكيفية التصرف, توقعات واضحة, أسباب مشروحة, دعمه ومساعدته على النجاح, تشجيعه على التفكير بشكل مستقل. تساعده البنية على تعلم الأمور الهامة وفهم أخطائه, كما توفر له المعلومات التي يحتاجها كي ينجح في المرة القادمة، وتعطيه الأدوات التي يحتاجها لحل المشاكل التي يتعرض لها.
كيف توفر البنية لأطفالك؟ من خلال تحضيرهم للمواقف الصعبة وإخبارهم بما عليهم توقعه وكيفية التعامل معه, مناقشتهم والإصغاء الفعال إلى وجهات نظرهم, تزويدهم بالمعلومات, التحدث معهم في أوقات متقاربة, الابتعاد عن تهديدهم بالضرب أو حرمانهم من الحب, التصرف كقدوة إيجابية.
يتعلم الأطفال بشكل أفضل عندما نقدم لهم الدعم" الدفء" والمعلومات" البنية" من خلال المواقف اليومية.
ثالثاً: فهم كيف يفكر ويشعر الأطفال: عندما ننظر إلى العالم من خلال عيني طفل عندها فقط يمكننا فهم تصرفاته. عندما نفهم كيف يفكر ويشعر أطفالنا في كل مرحلة من مراحلهم العمرية المختلفة نصبح أكثر جاهزية للتعامل مع المواقف والتحديات بطريقة إيجابية وبنّاءة.
غالباً مايساء تفسير بعض تصرفاتهم ونعتقد أنهم يتحدوننا أو يحاولون إغضابنا عمداً فنرد عليهم بالغضب والعقاب. عندما نفهم أنهم يفعلون ماهم بحاجة إليه كي ينمَو تزيد إمكانية منحنا إياهم المعلومات والدعم التي يحتاجونها.
وسنتناول في المقالة القادمة هذا المبدأ بالتفصيل.
رابعاً: تحليل المشاكل: يساعد تحليل المشكلة على معرفة الأسباب التي قد تؤدي بطفلكم إلى التصرف بطريقة معينة. كما أن المعرفة التي تم اكتسابها في الخطوة السابقة ستساعدكم في التفكير والبحث في الأسباب التي جعلت طفلكم يتصرف بهذه الطريقة أو تلك وبالتالي يساعدكم ذلك في تطور ردود أفعال ناجحة.
وذلك انطلاقاً من أحد مبادئ علم النفس الهامة ألا وهو" معرفة أسباب المشكلة هو نصف الحل"
فعندما يبدأ طفلك البالغ من العمر السنة بإصدار أصوات عالية بينما أنتم في مكان عام وقبل أن تقوم بضربه وتوبيخه فكِّر في الأسباب التي دعته لهذا التصرف مثلاً " محاولته تقليد الكلام, الاستمتاع بقدرته على إصدار الأصوات, بداية الكلام", طفلك لا يصرخ لإرباكك أو إغضابك, قد يكون متحمس لأنه اكتشف الصوت ويحب التجربة واكتشاف الأصوات الجديدة التي بوسعه إصدارها حتى لو كانت عالية فهي إشارة على نموه.
وعندما يكسر طفلك البالغ من العمر سنتين مزهريتك المفضلة, فكر في الأسباب التي أدت به إلى هذا التصرف فقد تكون" عدم معرفته ماهي الأشياء القابلة للكسر, الحاجة إلى اللمس كي يتعلم, دافع الاستكشاف". تذكروا هنا أن طفلكم لا يهدف بهذا التصرف إلى إغضابكم لأنه لا يعرف ماهي الأشياء التي قد تؤذيه وماهي الأشياء القيمة بالنسبة لك إنه بهذا التصرف يحاول اكتشاف العالم من حوله.
خامساً: الاستجابة بالانضباط الإيجابي:
يهدف الانضباط الإيجابي إلى الاستجابة لتصرفات الطفل بطرق تؤدي إلى تحقيق أهدافكم بعيدة المدى التي تقصدونها, ولكي تحقق الانضباط الإيجابي بطريقة ناجحة يجب أن تحتل الأهداف البعيدة موقع الصدارة في عقولكم.
تذكروا أن طفلكم ينمو ويتعلم بشكل مستمر, فلن يستمر في بكائه طوال الليل ولن يستمر بوضع كل ما يمسكه في فمه, هذه تحديات للفترة القريبة إلا أن شكل استجابتكم عليها هو الذي سيضعكم في المسار الصحيح.
فكروا في الطرق التي تستخدمونها لتوفير الدفء والبنية الصحيحة لطفلكم, خدوا بعين الاعتبار كيف يفكر ويشعر, تعاملوا مع التحديات من وجهة نظره. إن العمل وفق هذه المبادئ سيساعدكم على الاستجابة الصحيحة في المواقف المعقدة.
موقف:
طفلكم البالغ من العمر 10أسابيع لم يتوقف عن البكاء منذ نصف ساعة ماذا عليكم أن تفعلوا؟ هيا نفكر في ردود فعلكم لنقرر أيهما أفضل ولماذا؟
هل ستكون ردة فعلكم "ضربه على مؤخرته ليتعلم عدم البكاء ليلاً, تجاهله كي لا يصبح مدللاً, محاولة إعطائه الطعام أو تغيير حفاضته أو الغناء له واحتضانه".
أولاً: تذكروا أهدافكم البعيدة المدى تجاه طفلكم وفكروا في ردود الفعل ذلك, أي منها سيقودكم لتحقيق هذه الأهداف.
ثانياً: أي من ردود الفعل سيشعر طفلكم بالدفء.
ثالثاً" خذوا طريقة تفكير طفلكم ومشاعره بعين الاعتبار.
رابعاً: حلّلوا الموقف وفكروا في الأسباب التي دفعت طفلكم للبكاء.
التفكير بهذه الأسئلة سيساعدكم على اختيار الاستجابة الصحيحة لكل المواقف التي تتعرضون لها مع أطفالكم.
تذكروا دائماً أنكم قد تصابون بالتعب الشديد وقد تشعرون برغبة في الصراخ على طفلكم أو ضربه عندما يرفض الكف عن البكاء. لكن هذا لن يجعله يسكت وقد يؤدي ذلك إلى الخوف منكم أو التسبب بأضرار مختلفة, لا تقوموا بضربه أبداً فإذا لم يتوقف عن البكاء عليه أن يعرف أنكم بقربه فهو بحاجة لوجودكم معه. وإذا شعرتم بالعجز لا ضير من طلب المساعدة.
ونختتم بقول العالم وين داير "سيرى أطفالك كل ما أنت عليه من خلال طريقتك في العيش وليس من خلال ما تقوله."
بقلم:ديمة سعد
اخصائية تربوية
كيف نتعامل مع مشاكل أطفالنا
Reviewed by Unknown
on
1:07 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: