الموحدون الدروز
الموحدون الدروز
ما يميز سوريا عبر تاريخها الطويل هو تعددها الإثني والديني والطائفي, لتشكل لوحة فسيفسائية جميلة في محتواها, غنية في تنوعها. ومن هذه المكونات, الدروز الموحدون.
التسمية:
إن إطلاق لقب بني معروف على الدروز ربما يرجع إلى أنهم يكثرون من عمل المعروف أو لأن أحد أجدادهم اسمه معروف, ولعله أحد أجداد الأرسلانيين التنوخيين, يقول الأستاذ محمد كرد علي" أُطلقت كلمة بني معروف على الدروز تحبباً وتعني أنهم اشتهروا بعمل المعروف" أما تسمية الدروز فقد أُطلقت على أتباع محمد بن إسماعيل المشهور بـ أنوشتكين الدرزي, الذي قتله الموحدون (الدروز) عام 411هـ ورغم ذلك فقد أطلق عليهم الجُهّال تشفياً منهم أو جهلاً بحقيقتهم. ويرى البعض أنهم سموا كذلك لأنهم اندرزوا أي اندرجوا تحت تقاليد المذهب الفاطمي ودخلوا فيه. أما لقب موحدين, فهو لاعتقادهم أن الله واحد لم يلد ولم يولد وليس له بداية تُعرف ولا نهاية توصف.
لمحة تاريخية
في السويداء من الجمهورية العربية السورية حيث جبل العرب, نجد منطقة واسعة تشتمل على أكثر من ثلاثٍ وسبعين قريةٍ, وفيها يعيش الدروز عيشةً متواضعةً هادئةً يعملون في الزراعة:(الحبوب والأشجار المثمرة) والصناعة: (غزل الصوف والسجاد) وغيرها من المهن, ويدينون بالطاعة التامة لشيوخهم, ففي شمال هذه المنطقة نجد قبيلة العوامرة, وفي الجنوب والشرق يقطن بنو الأطرش, وفي وسط الإقليم يعيش الحناوية والقلاعنة والحلبية وبنو عساف والهنيدية. وينتشر الدروز في لبنان في الشويفات:آل أرسلان, وفي الغرب عالية ونهر الغابون وفي الجرد وفي الشوف, كما ينتشرون في فلسطين عند جبل الكرمل وصفد. بينما نجد طائفة من الدروز يسكنون الجبل الأعلى ( بين حلب وأنطاكية) في سوريا.
تفرع مذهب الموحدين الدروز, عن مذهب الاسماعيلية, وتوقف عن نهج الإمامة في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي. وانتشرت دعوتهم بطرقٍ كثيرةٍ منها: الدروس التي كانت تلقى بالجوامع والأماكن العامة بوساطة دعاةٍ كثيرين, وقد لاقت الدعوة رواجاً ولا سيما في وادي التيم وحلب وأنطاكية وصفد والشوف والعرقوب والمتن, غير أن تعرض الموحدين لأزمات كثيرة مثل اضطهادهم و صعوبة نشر دعوتهم والعداوة والحروب التي شُنَّت ضدهم أجبرتهم على النزوح إلى الجبال.
وفي العودة إلى الوراء تاريخياً نجد أن عدداً من القبائل العربية قد استوطنت بلاد الشام قبل الإسلام بزمنٍ طويلٍ منها: بنو كلب وغسان وتنوخ, وبعضها بعد الإسلام: لخم وعاملة وطيء, وقد ذكر الهمذاني أن أقواماً من لخم سكنت الرملة والجولان وحوران, وسكنت عاملة في الجبل المعروف باسمها. كما هاجرت قضاعة من البحرين إلى العراق, وأسست دولة دامت / 130/ سنة عرفت بدولة آل تنوخ, وبعد مقتل آخر ملوكها " جذيمة" تولى الحكم ابن أخته عمر بن عدي اللخمي /268/ م فكان أول ملوك اللخميين المناذرة في الحيرة وآخر ملوكهم المنذر الثالث 514- 563 الملقب بابن ماء السماء, وإليه ينتسب الأرسلانيون والبحتريون ( الدروز).
وذكرت المصادر التاريخية أن الأمير عون اللخمي سار برفقة خالد بن الوليد إلى الشام ومعه /1500/ فارس من اللخميين, واستشهد في معركة أجنادين وخلفه الأمير مسعود الذي اشترك في فتح حلب, وولاه الخليفة عمر بن الخطاب (ر)على المعرة , وإبان حكم الخليفة أبي جعفر المنصور حدثت ثورة المنيطرة في لبنان, فتبنى أبو جعفر المنصور فكرة إسكان عدد من القبائل العربية في المواقع الإستراتيجية في لبنان فطلب من الأميرين أرسلان وأخيه المنذر اللخميين النزول بعشائرهما في الجبال المحاذية لبيروت فرحلا ونزلا وادي التيم لحماية المنطقة وبيت المقدس من المردة والبيزنطيين.
إبان الحروب الصليبية كانت اقطاعات الدروز في لبنان في يد أسرتين: التنوخيين والأرسلانيين, أما في وادي التيم وحوران, فكان الإقطاع في يد الشهابيين, وكان الصليبيون يعملون لإنشاء دولة لهم على ساحل البحر المتوسط, فكان لا بد لدروز سوريا ولبنان من الدفاع عن بلادهم, فحاربوا مع المسلمين وهزموا جيوش الصليبيين في موقعة رأس التينة بقيادة الأمير أبي العشائر بحتر الأرسلاني سنة 1151م, ولما جاء المغول للاستيلاء على الشام انضم الأمير زين الدين صالح الأرسلاني لجيوش السلطان قطز, وحاربوهم في موقعة عين جالوت.
ومع دخول العثمانيين في سنة 1516م بقيادة السلطان سليم الأول, انضم إليه آل معن برجالهم من الدروز. فاعترف العثمانيون لهم بالإمارة في لبنان وازداد نفوذهم في عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني (1585-1635 م) حتى سيطروا على معظم أرجاء الشام بما فيها البادية السورية, ومنها قلعة تدمر.
وقد كان لِبَني شهاب الأسرة القرشية دوراً كبيراً في تاريخ الدروز كونهم أصحاب إقطاع ولاية حوران, واستعان نور الدين الزنكي بأتباعهم (دروز حوران) في حروبه ضد الصليبيين. وبعد وفاة آخر شيوخ الدروز سنة 1139م حلَّت الأسرة الشهابية محل الأسرة المعنية في إمارة لبنان, وكان أول من ولى الإمارة منهم: بشير الشهابي الأول.
في العصر الحديث كان للدروز دورٌ كبيرٌ في حركات التحرر العربية, وقد قدموا الكثير من خيرة أبنائهم لنصرة القومية العربية, كالدور الذي قام به سلطان باشا الأطرش مع العرب لتحريرهم من النير العثماني, وقد أشاد به جميع الكتَّاب,ثم كان له الدور الكبير في قيادة الثورة السورية لاحقاً.
العادات والتقاليد:
لا شك أن العادات والتقاليد السائدة في الجبل تؤكد بوضوح أنها ذات أصول عربية صرفة. فإذا وقعت مشاجرات عائلية في إحدى القرى وأدت إلى سقوط قتلى, فإن عدداً من الوجهاء في القرى الأخرى يحضرون للعمل على تلطيف النزاع أو وضع حد له, فيبدأ الحل بالعطوة: وهي الطلب من أهل القتيل وأنصارهم الخلود إلى الهدوء والسكينة لمدة أسبوع أو أكثر, والجلوة: ينزح فيها القاتل إلى قرى بعيدة, إلى أن تُحل القضية بدفع فدية.
أما عندما يقيم أحد الأشخاص وليمة لضيف, فإنه يوجه الدعوة إلى وجهاء القرية وبعض رجالها, وقد يجتمع في الوليمة الواحدة ما يزيد عن المئة شخص, ويوضع الطعام في وعاء مستدير من نحاس قطره أكثر من متر, والطعام عادة من طبيخ البرغل أو الرز, توضع فوقه كمية من اللحم والكبّة المسلوقة والمقلية مع شيء من الصنوبر والجوز, ثم تُسكب فوقه المليحية, وهي: لبن مُجفّف يُحلّ بالماء, ثم يُغلى مع السمن واللحم. والمضافة هي غرفة استقبال الضيوف, في محيطها الداخلي مصطبة بارتفاع 40سم وبعرض متر, وتفرش بالأفرشة والسجاجيد وبالعجميات وبالوسائد الصوفية, وفي صدر المضافة حُفرة تسمى (النقرة) توضع فيها أباريق طبخ القهوة المرة.
أما تقاليد الأعراس, فيجتمع الفتيان والفتيات كل مساء قبل ليلة العرس ببضعة أيام, وينشدون الأهازيج والأغاني, ومنها ما يعرف باسم (الجوفية), وهو: لحن من الغناء الحماسي ينشده صفٌّ من الرجال, ثم يردده بعدهم صفٌ آخر يقابلهم. وهناك قصيدة الفن تلقى من قِبَلِ خمسة أو سبعة أشخاص, وهناك (الهولية), وهي: أن تتشابك الأيدي في حلقة واسعة, ويدورون بخطا موزونة بالإضافة إلى الدبكة على صوت المجّوزْ.
ومن تقاليد جبل العرب, إذا توفيّ أحدهم, أن يقيموا له بعد وفاته بأسبوع حفل تأبين يسمونه حفل الأسبوع, يدعون إليه بعض سكان القرى المجاورة, وذلك تبعاً لمكانة المتوفي وأهميته الاجتماعية, وفي نهاية المأتم, قد يرثي بعض الأشخاص الفقيد بكلمات ارتجالية أو خطيّة.
المرأة في الجبل لا تضع الحجاب على وجهها, ولكنها تلبس فوطة بيضاء شفافة تغطي شعرها وأذنيها وعنقها ويبقى وجهها مكشوفاً, وتضع تحت الفوطة طربوشاً صغيراً من النوع الخاص بالنساء تزينه الفتيات منهن بقطع من الذهب المستدير أو بالليرات الذهبية معلقة في قرص جميل مزخرف من الفضة في أعلى الطربوش. واللباس التقليدي هو اللباس الطويل الفضفاض الذي يصل إلى كاحل القدمين, أما العجائز من النساء فيرتدين في الأغلب الألبسة ذات اللون الأسود وفوطة بيضاء غير شفافة, أما الرجل الشاب فيضع على رأسه الكوفية (الحطّة) والعقال. بينما الشيخ المسن أو الشاب المتدين, عمامةً بيضاء ويلبس الرجل سروالاً طويلاً ورداءً, أي قمبازاً من الحرير أو الجوخ.
شخصيات سورية درزية:
- سلطان باشا الأطرش: /1888-1983م/ زعيم شعبي ولد في القريّة بمحافظة السويداء, تمرّس على يد والده المجاهد الشيخ ذوقان الأطرش بالفروسية والرماية وفنون القتال, وكانت علاقته مع الملك فيصل وطيدة, وهبَّ مع فرسانه لنجدة يوسف العظمة في معركة ميسلون, كما قاد الثورة السورية الكبرى عام 1925م على الاستعمار الفرنسي, التي كان شعارها (الدين لله والوطن للجميع), شارك فيها إلى جانبه خيرة مجاهدي الوطن, وكانت أولى المعارك, معركة الكفر التي أبيدت فيها الحملة الفرنسية.
- المجاهد فضل الله هنيدي: / 1876-1926م/ ولد في المجدل التابعة للسويداء وتسلّم منصباً كبيراً في إدارة العدلية.
- المجاهد الشهيد جاد الله فارس بو عرب من قرية العفينة ولد عام 1890م.
- المجاهد المرحوم البطل أبو متعب عبد الكريم الحلبي, قرية بريكة.
- الشهيد زاهر الحلبي .
- ومن الشعراء: الشاعر شبلي الأطرش, وصالح عرابي والشاعرة غادة الشعشاع.
بقلم:شادي أبو حلاوة
الموحدون الدروز
Reviewed by Unknown
on
1:13 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: